فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمراد من الصلاة المنهى عنها صلاة الميت المعروفة وهي متضمنة للدعاء والاستغفار والاستشفاع له قيل: والمنع عنها لمنعه عليه الصلاة والسلام من الدعاء للمنافقين المفهوم من الآية السابقة أو من قوله سبحانه: {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ} [التوبة: 113] الخ، وقيل: هي هنا بمعنى الدعاء، وليس بذاك، و{أَبَدًا} ظرف متعلق بالنهي، وقيل: متعلق بمات، والموت الأبدي كناية عن الموت على الكفر لأن المسلم يبعث ويحيا حياة طيبة، والكافر وإن بعث لكنه للتعذيب فكأنه لم يحي، وزعم بعضهم أنه لو تعلق بالنهي لزم أن لا تجوز الصلاة على من تاب منهم ومات على الإيمان مع أنه لا حاجة للنهي عن الصلاة عليهم إلى قيد التأبيد، ولا يخفى أنه أخطأ ولم يشعر بأن {منهم} حال من الضمير في مات أي مات حال كونه منهم أي متصفًا بصفتهم وهي النفاق كقولهم: أنت مني يعني على طريقتي وصفتي كما صرحوا به على أنه لو جعل الجار والمجرور صفة لأحد لا يكاد يتوهم ما ذكر وكيف يتوهم مع قوله تعالى الآتي: {منهم} حال من الضمير في مات أي مات حال كونه منهم أي متصفًا بصفتهم وهي النفاق كقولهم: أنت مني يعني على طريقتي وصفتي كما صرحوا به على أنه لو جعل الجار والمجرور صفة لأحد لا يكاد يتوهم ما ذكر وكيف يتوهم مع قوله تعالى الآتي: {أَنَّهُمْ كَفَرُواْ} الخ، وقوله: مع أنه لا حاجة إلى النهي إلخ لظهور ما فيه لا حاجة إلى ذكره، و{مَّاتَ} ماض باعتبار سبب النزول وزمان انلهي ولا ينافي عمومه وشموله لمن سيموت، وقيل: إنه بمعنى المستقبل وعبر به لتحققه؛ والجملة في موضع الصفة لأحد {وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ} أي لا تقف عليه ولا تتول دفنه من قولهم: قام فلان بأمر فلان إذا كفاه إياه وناب عنه فيه، ويفهم من كلام بعضهم أن {على} بمعنى عند، والمراد لا تقف عند قبره للدفن أو للزيارة، والقبر في المشهور مدفن الميت ويكون بمعنى الدفن وجوزوا إرادته هنا أيضًا.
وفي فتاوي الجلال السيوطي هل يفسر القيام هنا بزيارة القبور وهل يستدل بذلك على أن الحكمة في زيارته صلى الله عليه وسلم قبر أمه أنه لاحيائها لتؤمن به بدليل أن تاريخ الزيارة كان بعد النهي؟
الجواب المراد بالقيام على القبر الوقوف عليه حالة الدفن وبعده ساعة، ويحتمل أن يعم الزيارة أيضًا أخذًا من الإطلاق وتاريخ الزيارة كان قبل النهي لا بعده فإن الذي صح في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم زارها عام الحديبية والآية نازلة بعد غزوة تبوك، قم الضمير في {مِنْهُمْ} خاص بالمنافقين وإن كان بقية المشركين يلحقون بهم قياسًا، وقد صح في حديث الزيارة أنه استأذن ربه في ذلك فأذن له وهذا الاذن عندي يستدل به على أنها من الموحدين لا من المشركين كما هو اختياري، ووجه الاستدلال به أنه نهاه عن القيام على قبور الكفار وأذن له في القيام على قبر أمه فدل على أنها ليست منهم وإلا لما كان يأذن له فيه، واحتمال التخصيص خلاف الظاهر ويحتاج إلى دليل صريح، ولعله عليه الصلاة والسلام كان عنده وقفة في صحة توحيد من كان في الجاهلية حتى أوحى إليه صلى الله عليه وسلم بصحة ذلك، فلا يرد أن استئذانه يدل على خلاف ذلك وإلا لزارها من غير استئذان اه وفي كون المراد بالقيام على القبر الوقوف عليه حالة الدفن وبعده ساعة خفاء إذ المتبادر من القيام على القبر ما هو أعم من ذلك نعم كان الوقوف بعد الدفن قدر تحر جزور مندوبًا ولعله لشيوع ذلك إذ ذاك أخذ في مفهوم القيام على القبر ما أخذ.
وفي جواز زيارة قبور الكفار خلاف وكثير من القائلين بعدم الجواز حمل القيام على ما يعم الزيارة ومن أجاز استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة» فإنه عليه الصلاة والسلام علل الزيارة بتذكير الآخرة ولا فرق في ذلك بين زيارة قبور المسلمين وقبور غيرهم، وتمام البحث في موضعه والاحتياط عندي عدم زيارة قبور الكفار {إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ} جملة مستأنفة سيقت لتعليل النهي على معنى أن الصلاة على الميت والاحتفال به إنما يكون لحرمته وهم بمعزل عن ذلك لأنهم استمروا على الكفر بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مدة حياتهم {وَمَاتُواْ وَهُمْ فاسقون} أي متمردون في الكفر خارجون عن حدوده. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}
قال المهايمي: لأنها شفاعة، ولا شفاعة في حقهم {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} أي: لا تقف عليه للدفن أو للزيارة والدعاء.
قال الشهاب: القبر مكان وضع الميت، ويكون بمعنى الدفن، وجوّز هنا:
{إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} في الحياة في الباطن {وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} أي: خارجون عن الإيمان الظاهر، الذي كانوا به في حكم المؤمنين.
تنبيهات:
الأول: روى الشيخان في سبب نزول الآية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما توفي عبد الله ابن أبيّ، جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! تصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما خيرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} وسأزيده على السبعين».
قال: إنه منافق.
قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عزَّ وجلَّ آية: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} الخ.
قال الحافظ أبو نعيم: وقع في رواية في قول عمر: أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين؟، ولم يبيّن محل النهي، فوقع بيانه في رواية أبي ضَمْرَة عن العمري: وهو أن مراده بالصلاة عليهم الإستغفار لهم، ولفظه: وقد نهاك الله أن تستغفر لهم. انتهى.
يعني في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}، فإنها نزلت في قصة أبي طالب حين قال صلى الله عليه وسلم: «لأستغفرنّ لك، ما لم أُنْهَ عنك». وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقًا، ووفاة عبد الله بن أبيّ في ذي القعدة، سنة تسع بعد قدوم النبيّ صلى الله عليه وسلم من تبوك. كذا في فتح الباري.
ووقع في مسند الإمام أحمد ما تقدم من حديث عمر نفسه.
قال عمر: لما توفي عبد الله بن أبيّ دُعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام عليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه، تحولت حتى قمتُ في صدره فقلت: يا رسول الله! أعلى عدوّ الله: عبد الله بن أبيّ القائل يوم كذا، كذا وكذا؟ يعدّد أيامه، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، حتى إذا أكثرت عليه قال: «أَخِّرْ عني يا عمر، إني خيرت فاخترت، قد قيل لي: {اسْتَغَفِرْ لَهُمْ} الآية، لو أعلم أني لو زدت على السبعين، غُفِرَ له، لزدت».
قال: ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره، حتى فرغ منه.
قال: فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم.
قال: فوالله! ما كان إلا يسيرًا حتى نزلت هاتان الآيتان: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} الآية، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره، حتى قبضه الله عزَّ وجلَّ.
ورواه البخاري والترمذي أيضًا.
وروي الإمام أحمد عن جابر قال: لما مات عبد الله بن أبيّ، أتى ابنه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إِنك إِن لمحفرته، لم نزل نُعيَّر به، فأتاه النبيّ صلى الله عليه وسلم، فوجده قد أدخل في حفرته فقال: «أَفَلَا قَبْلَ أن تدخلوه؟» فأخرج من حفرته، وتفل عليه من ريقه من قرنه إلى قدمه، وألبسه قميصه. ورواه النسائي، وروى نحوه البخاري والبزار في مسنده، وزاد: فأنزل الله الآية.
زاد ابن إِسحاق في المغازي بسنده قال: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعده حتى قبضه الله، ولا قام على قبره.
وقد روى الإمام أحمد عن أبي قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا دعي إلى جنازة سأل عنها، فإِن أُثْنِيَ عليها خير قام فصلى عليها، وإِن كان غير ذلك، قال لأهلها: «شأنكم بها». ولم يصل عليها.
الثاني: إِنما منع صلى الله عليه وسلم من الصلاة على أحدهم إِذا مات، لأن صلاة الميت دعاء واستغفار واستشفاع له، والكافر ليس بأهل لذلك.
الثالث: قال: السيوطي في الإكليل: في قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} الآية، تحريم الصلاة على الكافر، والوقوف على قبره، وأن دفنه جائز، ومفهومه وجوب الصلاة على المسلم ودفنه، ومشروعية الوقوف على قبره، والدعاء له، والإستغفار. انتهى.
قال عثمان رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإِنه الآن يُسْأل».- انفرد بإِخراجه أبو داود-.
الرابع: قال الحافظ ابن حجر في الفتح ظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين، لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم.
قال الواقدي: أنبأنا معمر عن الزهري قال: حذيفة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِني مُسِرٌّ إليك سرًا، فلا تذكره لأحد، إِني نهيت أن أصلي على فلان، رهطٍ ذوي عدد من المنافقين».
قال، فلذلك كان عمر إِذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة، فإِن مشى معه، وإِلا لم يصلّ عليه.
ومن طريق أخرى، عن جبير بن مطعم أنهم اثنا عشر رجلًا.
وقال حذيفة مرة: إِنه لم يبق منهم غير رجل واحد. ولعل الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك، أن الله علم أنهم يموتون على الكفر، بخلاف من سواهم، فإِنهم تابوا. انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)}
لمّا انقضى الكلام على الاستغفار للمنافقين الناشيء، عن الاعتذار والحلف الكاذبيْن وكان الإعلام بأن الله لا يغفر لهم مشوبًا بصورة التخيير في الاستغفار لهم، وكان ذلك يبقي شيئًا من طمعهم في الانتفاع بالاستغفار لأنهم يحسبون المعاملة الربانية تجري على ظواهر الأعمال والألفاظِ كما قدمناه في قوله: {فرح المخلفون} [التوبة: 81]، تهيَّأ الحال للتصريح بالنهي عن الاستغفار لهم والصلاةِ على موتاهم، فإنّ الصلاة على الميت استغفار.
فجملة {ولا تصل} عطف على جملة {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} [التوبة: 80] عطفَ كلام مراد إلحاقه بكلام آخر لأنّ القرآن ينزل مراعىً فيه مواقع وضع الآي.
وضمير {منهم} عائد إلى المنافقين الذين عُرفوا بسيماهم وأعمالهم الماضية الذكر.
وسبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري والترمذي من حديث عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب قال: لما مات عبد الله بنُ أبَيّ بن سَلُول دُعِي له رسول الله ليصلي عليه، فلمّا قام رسول الله وثَبْتُ إليه فقلت: يا رسول الله أتصلّي على ابن أُبيّ وقد قال يومَ كذَا وكذا، كذا وكذا أعَدّدُ عليه قولَه، فتبسّم رسول الله وقال: «أخِّرْ عنّي يا عمرُ» فلمّا أكثرت عليه قال: «إنّي خُيِّرتُ فاخترتُ، لو أعلم أنّي لو زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها» قال: فصلى عليه رسول الله ثم انصرف فلم يمكث إلاّ يسيرًا حتّى نزلتْ الآيتان من براءة {ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا} إلى قوله: {وهم فاسقون} قال: فعجبت بعدُ من جُرْأتِي على رسول الله واللَّهُ ورسوله أعلم. اهـ.
وفي رواية أخرى فلم يصل رسول الله على أحد منهم بعد هذه الآية حتى قُبض صلى الله عليه وسلم وإنّما صلّى عليه وأعطاه قميصه ليكفّن فيه إكرامًا لابنه عبدِ الله وتأليفًا للخزرج.
وقوله: {منهم} صفة {أحدٍ}.
وجملة {مات} صفة ثانية لـ {أحد}.
ومعنى {ولا تقم على قبره} لا تقفْ عليه عند دفنه لأنّ المشاركة في دفن المسلم حقّ على المسلم على الكفاية كالصلاة عليه فتركُ النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليهم وحضور دفنهم إعلان بكفر من ترك ذلك له.
وجملة: {إنهم كفروا بالله ورسوله} تعليلية ولذلك لم تعطف وقد أغنى وجود (إنَّ) في أولها عن فاء التفريع كما هو الاستعمال.
والفسق مراد به الكفر فالتعبير بـ {فاسقون} عوض (كافرون) مجرّد تفنّن.
والأحسن أن يفسّر الفسق هنا بالخروج عن الإيمان بعد التلبّس به، أي بصورة الإيمان فيكون المراد من الفسق معنى أشنعَ من الكفر.
وضمائر {إنهم كفروا وماتوا وهم فاسقون} عائد إلى {أحدٍ} لأنّه عام لكونه نكرة في سياق النهي والنهي كالنفي.
وأمّا وصفه بالإفراد في قوله: {مات} فجرى على لفظ الموصوف لأنّ أصل الصفة مطابقة الموصوف. اهـ.